السعودية- خيار واحد.. إما أن تكون!
المؤلف: عبداللطيف آل الشيخ09.10.2025

في منعطفات الدهر، تتجلى عظمة الأمم في قدرتها على اتخاذ قرارات مصيرية حاسمة، قرارات لا تحتمل التردد أو التشتت في الخيارات المتعددة. إنها لحظات فارقة لا تقبل القسمة على اثنين، بل تتطلب عزماً فورياً وحازماً.
المملكة العربية السعودية تعيش اليوم هذه اللحظة التاريخية بكل تفاصيلها، لحظة لا تسمح بالتراجع أو الانكفاء، لأن الثقة بالنفس قد بلغت ذروتها، ولأن الطموح نحو مستقبل مزدهر لا يرى سوى هدف واحد: الازدهار والتقدم.
إن الشعار الذي قد يبدو للبعض صادماً للوهلة الأولى – "إمّا أن تكون، وإمّا أن تكون" – ليس مجرد تلاعب بالألفاظ، بل هو تلخيص بليغ لأسمى معاني التصميم والعزيمة الصادقة.
فالمملكة لا تقف اليوم على مفترق طرق بين النهوض والتقاعس، بين التقدم والتأخر، بين البناء والهدم.. فالخيار لم يعد اختياراً بين أمرين، بل أصبح حتمية لا بديل لها: أن تكون، لأن البديل ببساطة غير وارد.
لقد أعلنت السعودية منذ إطلاق "رؤية 2030" عزمها على التخلص من ترددات الماضي، ونفض غبار الانتظار. اختارت أن تعيد تعريف ذاتها لا بوصفها حارسة لإرث عريق فحسب، بل بوصفها أيضاً صانعة لحضارة قادمة، ترسم بيديها ملامح المستقبل المشرق، وكأنها تخاطب العالم قائلة: نحن لا نقتفي أثر الآخرين، بل نسعى جاهدين لتحويل المستحيل إلى ممكن، وصهر كل ذلك في نموذج سعودي فريد ومتميز.
هذا المسار الواحد الذي اختارته السعودية، هو تحدٍّ رائع في زمن تكثر فيه التنازلات، لأنه مسار يرتكز على أسس راسخة لا تقبل التراجع: الإرادة الصلبة، والإيمان الراسخ، والابتكار المتجدد.
إرادة شامخة تشيِّد مدينة "نيوم" العملاقة في قلب الصحراء، وإيمان قوي يطلق قمراً صناعياً من أرض كانت توصف بالهدوء والسكون، وابتكار خلاق يحوِّل النفط من مجرد مصدر دخل إلى نقطة انطلاق نحو عصر الصناعات المتطورة.
أن "تكون" في المفهوم السعودي الجديد، يعني أن تتجاوز التوقعات لا أن تتماشى معها، أن تثير الدهشة والإعجاب لا أن تتبع خطوات الآخرين، أن تقود العالم نحو آفاق جديدة لا أن تُقاد. وهذا ما نشاهده اليوم في كافة قطاعات المملكة، من الثقافة والفنون إلى التكنولوجيا المتقدمة، ومن الرياضة إلى الطاقة المتجددة، ومن الدبلوماسية المرنة إلى الاقتصاد المتنوع.
لم يعد هناك مجال للعفوية أو المجاملة في إدارة الشؤون، بل أصبحت المنهجية هي الأساس، منهجية تراهن على أن العالم لا يلتفت إلى من يتخلف عن الركب.
نظرة فاحصة إلى ما يجري في الداخل كفيلة بأن تكشف حجم هذا الخيار الإلزامي، وكيف تحولت الرياض إلى مركز عالمي نابض بالحياة للمؤتمرات والفعاليات الدولية؟ وكيف تُدار التحولات الاجتماعية بسلاسة وانسجام مع الأصالة؟ وكيف تُستثمر الطاقات السعودية الشابة – رجالاً ونساءً – لا بوصفهم باحثين عن فرص، بل مُبدعين وخالقين لها؟
إن من يظن أن هذا الخيار الواحد هو نزهة عابرة فهو لم يدرك بعد معنى التحول الحقيقي، فأن "تكون" يعني أن تغلق أبواب التبرير، وتفتح نوافذ المحاسبة والمساءلة. أن تجابه بقايا البيروقراطية التقليدية، وتؤسس بدلاً منها مؤسسات ذكية متطورة، أن تواجه العالم أجمع بثقة واعتزاز، وتقول: لدينا رؤيتنا الخاصة، ونسختنا الفريدة من النهضة والتقدم.
المملكة العربية السعودية لا تمر اليوم بمرحلة نمو اعتيادية فحسب، بل تعيش مرحلة تجديد شامل، وكأنها تُصاغ من جديد بهوية تعكس طموحاتها وتطلعاتها، لا مخاوفها وهواجسها.
وحين تختار دولة أن تتواءم مع آفاقها المستقبلية لا مع تاريخها العريق فحسب، فإنها بذلك تجبر الزمن على أن يعيد النظر في تصوراته عنها.
"إمّا أن تكون.. وإمّا أن تكون"، هذه العبارة ليست مجرد تكرار، بل هي تأكيد قاطع لليقين، يقين وطني يرى في كل تحدٍ فرصة، وفي كل صراع مع الذات فرصة للانتصار على المألوف والتقليدي. فالسعودية لا تسعى للحصول على مكان تحت الشمس، بل تصنع شمسها الخاصة لتضيء العالم بنورها.
لقد بات جلياً أن المملكة لم تعد تسعى إلى أن تُقارن بغيرها من الدول، بل أن تكون مرجعاً بحد ذاتها، لا تريد أن "تلحق" بأحد، بل أن "تُلْحِق" العالم برؤيتها الطموحة، إنها لا تستورد الحداثة، بل تصدِّر نموذجها الفريد في كيفية بناء دولة قوية ومرنة، أصيلة وعصرية، محافظة ومتجددة في آن واحد.
فحين تجبرك المرحلة على خيار واحد، فإن هذا لا يعكس ضيقاً في الأفق، بل عمقاً في الإيمان، لأن الشكوك تكمن في الخيارات المتعددة، أما اليقين فيكمن في الإجماع على طريق واحد، فخيار أن "تكون" هو ما يدفع السعودية إلى المضي قدماً دون تردد، والارتقاء عالياً دون مساومة، والتحليق في سماء المجد دون التخلي عن جوهرها وهويتها.
إننا نشهد لحظة تاريخية استثنائية في تاريخ المملكة العربية السعودية، لحظة تحوّل الإرادة السياسية إلى عمل حضاري ملموس، وتحوّل الحلم الوطني إلى مشروع تنموي شامل، لحظة يُعاد فيها تعريف مفاهيم القوة، والقيادة، والتأثير، لحظة لا يسعنا إلا أن نردد معها بإيمان راسخ: نعم، السعودية أمام خيار واحد لا ثاني له: إمّا أن تكون.. وإمّا أن تكون. ولا شيء بعد ذلك سوى المجد والعزة.